فصل: تفسير الآية رقم (37):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (34):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ} [34].
{لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وهو ما نالهم على أيدي المؤمنين، أو ما فيه من عذاب الحيرة والضِلَّة. فإن نفس غير المؤمنين في نكد مستمر وداء دويِّ لا برء له إلا الإيمان، كما فصل في موضع آخر {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ} أي: من عذاب الدنيا كمَّاً وكيفاً: {وَمَا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ} أي: حافظ يعصمهم من عذابه.

.تفسير الآية رقم (35):

القول في تأويل قوله تعالى: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ} [35].
{مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} أي: عن الكفر والمعاصي: {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ}.
في الآية وجوه من الإعراب:
الأول: أن {مثل} مبتدأ خبره محذوف، أي: فيما يقص ويتلى عليكم صفة الجنة، وجملة {تجري} مفسرة أو مستأنفة استئنافاً بيانياً أو حال من ضمير {وعد} أي: وعدها مقدراً جريان أنهارها. وهذا الوجه سالم من التكلف، مع ما فيه من الإيجاز والإجمال والتفصيل. وقُدَّر الخبر فيه مقدماً لطول ذيل المبتدأ، أو لئلا يفصل به بينه وبين ما يفسره، أو هو كالمفسر له.
الثاني: أن خبره {تجري}- على طريقة قولك: صفة زيد أسمر- قيل: هو غير مستقيم معنى؛ لأنه يقتضي أن الأنهار في صفة الجنة، وهي فيها لا في صفتها. مع تأنيث الضمير العائد على المثل حملاً على المعنى.
الثالث: أن ثمة موصوفاً محذوفاً، أي: مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار، وقوله {وظلها} مبتدأ محذوف الخبر أي: كذلك.

.تفسير الآية رقم (36):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ} [36].
{وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} لأنه يحصل لهم به من المعاني والدلائل وكشف الشبهات ما لم يحصل لهم من تلك الكتب السالفة. قيل: عنى بهم الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام، فإنهم يفرحون بما أنزل من القرآن؛ لما يرون فيه من الشواهد على حقيته التي لا يمترى فيه، ومن المعارف والمزايا الباهرة التي لا تحصى، كما قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ} [البقرة: من الآية 121] {وَمِنَ الأَحْزَابِ} يعني بقية أهل الكتاب والمشركين: {مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ} وهو ما يخالف معتقدهم، وجوز أن يراد بالموصول من يفرح به منهم لمجرد تصديقه لما بين يديه وتعظيمه له وإن لم يؤمنوا. وب-: {الأَحْزَابِ} المشركون، خاصة المنكرين لما فيه من التوحيد. ولذا أمر برد إنكارهم بقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو} أي: لا إلى غيره: {وَإِلَيْهِ مَآبِ} أي: مرجعي للجزاء، لا إلى غيره.

.تفسير الآية رقم (37):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عربيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ} [37].
{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عربيًّا} أي: حاكماً بالحق، أو حكمة عربية: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ} أي: لئن تابعتهم على دين، ما هو إلا أهواء بعد ثبوت العلم عندك بالبراهين والحجج، فلا ينصرك ناصر ولا يقيك واق. وهذا من باب الإلهاب والتهييج والبعث للسامعين على الثبات في الدين والتصلب، وأن لا يزلَّ زالٌّ عند الشبهة بعد استمساكه بالحجة. وإلا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة الشكيمة بمكان. كذا في الكشاف.

.تفسير الآية رقم (38):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [38].
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} أي: مثل إبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم، وهو رد لقولهم: لو كان نبياً لكان من جنس الملائكة كما قالوا: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: من الآية 7]، وإعلام بأن ذلك سنة كثير من الرسل، فما جاز في حقهم لِمَ لا يجوز في حقه؟ وقد قال تعالى له: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف: من الآية 110] {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ} أي: ما صح له ولا استقام ولم يكن في وسعه أن يأتي بما يقترح عليه، إلا بإرادته تعالى في وقته؛ لأن الآيات معينة بإزاء الأوقات التي تحدث فيها، من غير تغير وتبدل وتقدم وتأخر. فأمرها منوط بمشيئته تعالى، المبنية على الحكم والمصالح التي عليها يدور أمر الكائنات: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} أي: لكل وقت من الأوقات أمر مكتوب، مقدر معين أو مفروض في ذلك الوقت على الخلق حسبما تقتضيه الحكمة، فالشرائع معينة عند الله بحسب الأوقات، في كل وقت يأتي، بما هو صلاح ذلك الوقت، رسولٌ من عنده. وكذا جميع الحوادث من الآيات وغيرها، فليس الأمر على إرادة الكفار واقتراحاتهم، بل على حسب ما يشاؤه تعالى ويختاره، وفيه رد لاستعجالهم الآجال وإتيان الخوارق والعذاب.

.تفسير الآية رقم (39):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [39].
{يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ} أي: ينسخ ما يشاء نسخه من الشرائع لما تقتضيه الحكمة بحسب الوقت: {وَيُثْبِتُ} أي: بَدَلهُ ما فيه المصلحة، أو يبقيه على حاله غير منسوخ: {وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} أي: أصله.
قال الرازي: العرب تسمي كل ما يجري مجرى الأصل للشيء أُمّاً له، ومنه أم الرأس: للدماغ، وأم القرى: لمكة. وكل مدينة فهي أمٌّ لما حولها من القرى. فكذلك أمُّ الكتاب، هو الذي يكون أصلاً لجميع الكتب. روى عليُّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية يقول: يبدل الله ما يشاء فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدله: {وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} يقول: وجملة ذلك عنده في أم الكتاب الناسخ والمنسوخ. وما يبدل وما يثبت. كل ذلك في كتاب. وعن قتادة: أن هذه الآية كقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: من الآية 106] الآية.
تنبيه:
تمسك جماعة بظاهر قوله تعالى: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} فقالوا: إنها عامة في كل شيء كما يقتضيه ظاهر اللفظ. قالوا: يمحو الله من الرزق ويزيد فيه. وكذا القول في الأجل والسعادة والشقاوة والإيمان والكفر.
قال الرازي: هو مذهب عمر وابن مسعود. والقائلون بهذا القول كانوا يدعون ويتضرعون إلى الله تعالى في أن يجعلهم سعداء لا أشقياء. انتهى.
أشار بذلك إلى آثار أخرجها ابن جرير عن عمر وابن مسعود. وليس في الصحيح شيء منها.
ظهر لي في دمر في 12 ربيع الأول سنة 1324:
إن ما يستدل به الكثير من الآيات لمطلبٍ ما، أن يدقق النظر فيه تدقيقاً زائداً، فقد يكون سياق الآية لأمرٍ لا يحتمل غيره، ويظن ظان أنه يستدل بها في بحث آخر، وقد يؤكده ما يراه من إطباق كثير من أرباب التصانيف على ذلك وإنما المدار على فهم الأسلوب والسياق والسباق.
خُذ لك مثلاً قوله تعالى: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} فكم ترى من يستدل بها على العلم المعلق، ومحو ما في اللوح الذي يسمونه لوح المحو والإثبات ويوردون من الإشكالات والأجوبة ما لا يجد الواقف عليه مقنعاً ولا مطمأناً.
مع أن هذه الآية، لو تمعن فيها القارئ؛ لعلم أنها في معنى غير ما يتوهمون. وذلك أنهم كانوا يقترحون على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوائل البعثة، أن يأتي بآية كآية موسى وعيسى، توهماً أن ذلك هو أقصى ما يدل على نبوة النبي في كل زمان ومكان، فأعلمهم الله تعالى أن دور تلك الآيات الحسية انقضى دورها، وذهب عصرها. وقد استعد البشر للتنبه إلى الآية العقلية وهي آية الاعتبار والتبصر. وإن تلك الآيات محيت كما محي عصرها. وقد أثبت تعالى غيرها مما هو أجلى وأوضح وأدل على الدعوة، وهو قوله تعالى قبلها: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}.
وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (40):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [40].
{وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} أي: من إنزال العذاب في حياتك: {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} أي: قبل ذلك: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ} أي: تبليغ الوحي: {وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} أي: حسابهم وجزاؤهم. قال أبو حيان: جواب الشرط الأول: فذلك شافيك. والثاني: فلا لوم عليك. وقوله تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ} إلخ دليل عليهما.
وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (41):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [41].
{أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} أي: أرض الكفرة، ننقصها عليهم بإظهار دين الإسلام في أطراف ممالكهم.
قال ابن عباس: أي: أولم يروا أنا نفتح للرسول الأرض بعد الأرض، يعني أن انتقاص أحوال الكفرة وازدياد قوة المسلمين من أقوى العلامات على أنه تعالى ينجز وعده، ونظيره قوله تعالى: {أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الأنبياء: من الآية 44]، وقوله: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ} [فصلت: من الآية 53].
قال الشهاب: هذا مرتبط بما قبله. يعني لم يؤخر عذابهم لإهمالهم، بل لوقته المقدر، أوَ مَا تَرَى نقص ما في أيديهم من البلاد وزيادة ما لأهل الإسلام، ولم يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم به تعظيماً له، وخاطبهم تهويلاً وتنبيهاً عن سنة الغفلة. ومعنى: {نَأْتِي الأَرْضَ} يأتيها أمرنا وعذابنا. انتهى.
وقيل: {نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} بموت أهلها وتخريب ديارهم وبلادهم. فهؤلاء الكفرة كيف أمنوا من أن يحدث فيهم أمثال هذه الوقائع؟.
تنبيه:
يذكرون- ها هنا- رواية عن ابن عباس ومجاهد: أن نقصها من أطرافها هو موت علمائها وفقهائها وأهل الخير منها. ويؤيد من يعتمد ذلك بأن الجوهري حكى عن ثعلب: أن الأطراف يطلق على الأشراف، جمع طرف وهو الرجل الكريم، وشاهده قول الفرزدق:
واسأل بنا وبكم إذا وردت ** منى أطراف كل قبيلة من يتبع

يريد أشراف كل قبيلة. فمعنى الآية: أولم يروا ما يحدث في الدنيا من الاختلافات: موت بعد حياة، وذل بعد عز، ونقص بعد كمال، وإذا كان هذا مشاهداً محسوساً، فما الذي يؤمنهم من أن يقلب الله الأمر عليهم فيذلهم بعد العزة! ولا يخفاك أن هذا المعنى لا يذكره السلف تفسيراً للآية على أنه المراد منها، وإنما يذكرونه تهويلاً لخطب موت العلماء بسبب أنهم أركان الأرض وصلاحها وكمالها وعمرانها، فموتهم نقص لها وخراب منها. كما قال أحمد بن غزال:
الأرض تحيى إذا ما عاش عالمها ** متى يمت عالم منها يمت طرف

كالأرض تحيى إذا ما الغيث حل بها ** وإن أبى عاد في أكنافها التلف

ولذا قال الزهري كما في لسان العرب: أطراف الأرض نواحيها، الواحد طرف، و{نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} أي: نواحيها ناحية ناحية، وعلى هذا من فسر نقصها من أطرافها فتوح الأرضين. وأما من جعل نقصها من أطرافها موت علمائها فهو من غير هذا، قال: والتفسير على القول الأول.
وقوله تعالى: {وَاللّهُ يَحْكُمُ} أي: ما يشاء كما يشاء، وقد حكم للإسلام بالعز والإقبال، وعلى الكفر بالذل والإدبار، حسبما يشاهد من المخايل والآثار. وفي الالتفات من التكلم إلى الغيبة، وبناء الحكم على الاسم الجليل، من الدلالة على الفخمة وتربية المهابة وتحقيق مضمون الخبر بالإشارة إلى العلة ما لا يخفى، وهو جملة اعتراضية جيء بها لتأكيد فحوى ما تقدمها.
وقوله تعالى: {لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} اعتراض في اعتراض؛ لبيان علو شأن حكمه تعالى، وقيل: نصب على الحالية، كأنه قيل: والله يحكم نافذاً حكمه، كما تقول: جاء زيد لا عمامة على رأسه، أي: حاسراً. والمعقب من ينكر على الشيء فيبطله، وحقيقته من يعقبه ويقفّيه بالرد والإبطال. أفاده أبو السعود.
{وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} أي: فعمَّا قليل يحاسبهم ويجازيهم في الآخرة بعد عذاب الدنيا بالقتل والأسر.

.تفسير الآية رقم (42):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ} [42].
{وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} أي: مكر الكفار الذين خلوا، إيقاع المكروه بأنبيائهم والمؤمنين كما مكر هؤلاء، وقوله: {فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً} إشارة إلى ضعف مكرهم وكيدهم لاضمحلاله وذهاب أثره، وأنه مما لا يسوء، وأن المكر المرهوب هو ما سيؤخذون به من إيقاع فنون النكال، وهم نائمون على فرش الإمهال، مما لا يخطر لهم على بال، كما يومئ إليه قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ} أي: فيوفيها جزاءها المعد لها على ما كسبت من فنون المعاصي التي منها مكرهم، من حيث لا يحتسبون: {وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ} أي: العاقبة الحميدة، وعلى من تدور الدائرة، وهذا كقوله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} [النمل: 50- 52].